-->

لا للتسول بكل أشكاله بقلم: سلوى محمد علي

 

استفزتني وأرعبتني حادثة قرأتها عن سيدة خطفت طفلة وكسرت لها ذراعيها ورجليها وذهبت معها للمستشفى لكي تقوم بتجبيسها، ليس حنو منها أو عطف عليها، بل لاستخدامها في أعمال التسول واستعطاف المارة كالعادة.


وعند سؤالها عن صلتها بالبنت الصغيرة ذات الأعوام القليلة أجابت بأنها جدتها، ثم سرعان ما ظهر توترها وارتاب موظف الاستقبال في شخصيتها وبلغوا القسم التابع للمستشفى، وعلموا أنها ليست جدتها ولا تمس لها بصلة ، وبالفعل إن هذه الطفلة البريئة والتي عانت نتيجة لتكسير عظامها وتألمت وصرخت هي ابنة مخطوفة لأم مكلومة بات ليلها هو يومها شديد السواد من شدة حزنها على فراق ابنتها، ومتاهة لأب حائر في البحث عن ابنته المختفية، وبين هذه السيدة القاسية المتحجرة المشاعر  والتي خطفتها لاستخدامها كأداة للتسول، وبالطبع هذه ليست السابقة الأولى لها و لا لأمثالها.


هزني كثيرًا مشهد بكاء وتألم الطفلة  البريئة وأدمى قلبي وآلمتني صورة والديها اللذين ظلا يبحثان عنها وقلبهما ينفرط من الحزن والهم عليها.


أخذني هذا المشهد إلى سؤال.. هو كيف لنا أن نحارب مثل هذه الفئة الضالة التي تصول وتجول في كل شوارعنا وضواحينا دون رادع نهائي لهذه الظاهرة التي باتت في كل مكان، أمام مسجد شهير، أمام هايبر كبير، أمام المولات والطرقات والنوادي والمحلات والمطاعم والفنادق، وفي كل مكان يخطر لك على بال.


وأصبح للتسول صور كثيرة، فليس فقط التسول للنفس وبالنفس أو بعجز أو بطفلة لقيطة محمولة على الكتف أو برجل قعيد على كرسي، بل أصبح التسول مهنة تقام لها تحضيرات للقيام بالدور التمثيلي للشخصية المنشودة للتأثير على مرهفي الإحساس الذين يتأثرون بالمشاهد الموجعة لحالات بها كسر الأذرع أو الأرجل أو فقع عين أو حمل فحوصات من أشعات و تحاليل لا تمس حاملها بصلة، وغيرها كثير من الحالات التي تستأجر مكان للتسول، بل وأصبح هناك هيكل تنظيمي لتوزيعهم على الأماكن المميزة والأكثر تميزًا وفقًا لصعوبة الحالة وأيضًا أنصبة محددة تسلم يوميا كإيراد يومي.


ليس التسول الآن بالبشر فقط بل بحيازة مكان، ويبدأ هذا المشاكس الشقي من سماسرة الطرق في استغلال مالكي السيارات وغالبا لا يظهر عند قدوم السيارة، ولكن عند مغادرتها لإحكام قبضة المحاسبة.


وجب علينا جميعا محاربة هذه الظاهرة التي استفحلت، وعلينا عدم  الانصياع وراء مشاعرنا التي تستهدف حتى نستنزف وللأسف نساهم دون أن ندري بشكل أو بآخر في أن تستفحل هذه الآفة وهي التسول.


لذا، لابد من توجيه أداءنا للمعروف وصدقاتنا إلى المتعففين وهم كثيرين في محيط كل أسرة وعائلة وحي، وهم بعيدين تمامًا عن نشر عوزهم واحتياجاتهم في الشوارع والطرقات، بل هم ملتزمين ببيوتهم وبظروفهم وراضين ومتعففين عن السؤال لغير الله عز وجل الذي ييسر كل أمر عسير.


إن أصعب إحساس على إنسان بحق هو أن يتسول لقمة عيشه أو ستر لبيته أو ستر لجسده أو لمشاعره أو طلب الاهتمام، أو يتسول حقه في أن يكون موجود.


كاتبة المقال .. مدير عام مساعد بقطاع البترول و عضو الاتحاد العربي للعمل الإنساني و التنمية المستدامة التابع لجامعة الدول العربية و سفيرة المناخ.

عن الكاتب :

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق





الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *